الادارة والبيئة

حديث فى الادارة
نبذة تاريخية ..
تفاوتت الجماعات البشرية خلال تاريخها الطويل
فيما يمكننا أن نطلق عليه "المهارة الإدارية" , فلكل مجتمع بشرى خلال
التاريخ مستوى محدد فى إدارة شؤونه العامة كمجتمع , وشؤونه الخاصة كأفراد , لكن
هذا التفاوت يتأثر بشكل خاص بالبيئة الطبيعية التي يعيش فيها هذا المجتمع , وفى الماضي
عموما كانت هناك أربع بيئات تختلف عن بعضها البعض , فكانت هناك البيئة البحرية والتي
كان يمتهن أهلها الصيد البحري , والبيئة الصحراوية المطرية ومهنة أصحابها كانت الرعي
, والبيئة الثالثة وهى البيئة النهرية , ومهنة سكانها بالضرورة كانت الزراعة , أما
البيئة الرابعة والأخيرة فكانت إما البيئة الجبلية أو بيئة الغابات والأحراش ,
وكلتاهما بيئتان غير مأهولتين بعدد كاف من السكان , فضلا عن كون السكان أنفسهم في
هاتين البيئتين كانوا يعانون من التخلف بسبب عزلتهم البيئية , مما يجعلنا نستثنيهم من الدراسة دون خلل يذكر ...
فإذا ما بدأنا بالبيئة البحرية .. فسنجد أن
مهنة الصيد البحري بصفة خاصة هي مهنة الأخطار , فكما يقال : (البحر على قد ما بيدي
بياخد) , لذلك فابن البيئة البحرية من الناحية الإدارية مدرب على ما يمكن تسميته "إدارة
الأزمات" , وهو جانب هام من جوانب الإدارة , فالصياد البحري خلال رحلة صيده
.. يلاقى صنوفا عديدة من الأزمات بسبب ربما عطل في السفينة , أو طغيان من موج
البحر , مما يجعله يواجه مشاقا جمة في كل رحلته , منذ شروعه في بدئها وحتى انتهائها
بعودته بالسفينة إلى بر السلام ...
فإذا ما انتقلنا إلى البيئة الصحراوية
المطرية .. فسنجد أن سكانها من الرحل الذين لا يستقرون فى مكان واحد , بل ينتقلون
دوما من مكان لآخر جريا وراء الكلأ باحثين عنه , فإذا ما وجدوه في منطقة ما ..
نصبوا خيامهم في تلك المنطقة ودبروا مصدرا للماء بحفر عين أو بئر , واستقروا مؤقتا
في ذلك المكان لرعى أنعامهم إلى أن ينفد الكلأ , فيحزمون أمتعتهم وشؤونهم ويرتحلون
لمكان جديد , وهذه المهنة وهى مهنة الرعي زودت الرعاة بما يمكن تسميته
"المهارة اللوجستية" , هذه المهارة تعد جانبا هاما من جوانب الإدارة
بصفة عامة , خاصة في الإدارة العسكرية حيث "المهارة اللوجستية" تتضح
أهميتها فيما يطلق عليه الجيوش "عمليات الإمداد والتموين" ...
فإذا ما انتهينا
إلى البيئة النهرية .. فهي تمتهن الزراعة بالضرورة .. لتوفر مياه الري من النهر ,
وسكان هذه البيئة لهم طبيعتهم الخاصة بهم , وهى طبيعة حب الاستقرار , فهم يقيمون
على شواطئ النهر , ولا حاجة لهم إلى الترحال أو التنقل , فرزقهم تحت أرجلهم (البيت
جنب الجامع) كما يقول المصريون , فبيوتهم التي يسكنونها تكاد تكون ملاصقة لحقولهم التي
يعملون فيها , كما أن الأزمات التي قد تواجههم هي أزمات محدودة متعلقة ربما بخسارة
ما في منتجهم الزراعي أو الحيواني , لذا فأزماتهم لا تحتاج إلى أي درجة من درجات
المهارة الإدارية لحلها
وعليه .. فهم غير مدربين إداريا على "حل
الأزمات" مثل أقرانهم الذين يمتهنون الصيد البحري , كما أن مهارتهم اللوجستية
ليست بالدرجة التي يحظى بها أصحابهم من ممتهني مهنة الرعى , أضف إلى ذلك أن مهنة
الزراعة ذاتها هي مهنة قدرية سواء في الجانب النباتي منها أو الجانب الحيواني ,
لذا فممتهني الزراعة قدريون بالسليقة , فتسعة أعشار رزقهم قدري , ويبقى لهم العشر
الأخير فقط , يتحكمون فيه بخبرتهم واجتهادهم فى عملهم , وهذه القدرية ضاعفت
إيمانهم بالله وجعلتهم متوكلين ثم متواكلين بدرجة أو بأخرى , لذلك فأبجدياتهم
الإدارية محدودة , وقد تظهر هذه السمات واضحة جلية في الوجدان الجمعي للزراعيين ,
لذلك نشأت العبارات الدالة مثل (وقت الله يعين الله) أو (ارمي حمولك على الله) أو (اجري
جرى الوحوش غير رزقك لم تحوش) , وكلها بلا شك عبارات إيمانية صادقة , لكنها تنبئ في
الأخير إلى تواكلية تخاصم كل أسس "الإدارة" المعروفة , ناهيك عن أن
الدين نفسه يدعو إلى الاجتهاد وإتقان العمل , والتخطيط للمستقبل في الدنيا والآخرة
وكلها أمور تتطلبها أسس "الإدارة" ...
نحن نقدر تعاونك
من فضلك اختر نوع التجاوز
شاهد ايضا
اكتب تعليق