تبدأ الكتابة بالتسامح: لماذا أعتبر إحدى أشهر نصائح الكتابة خاطئة؟
2023-03-03 22:28:09 اقلام و اراء ...

"اكتب كل يوم"
هي واحدة من أكثر نصائح الكتابة شيوعًا وفي نفس الوقت، أكثرها بُعدًا عن الصواب. أتفهم الأمر: الفكرة هي أن تظل مستمرًا مهما حدث، ألّا تسمح لشيء أن يُثبط عزيمتك، ألا تتباطئ حتى عندما تغيّب عنك ربّة الإلهام أو تشتت متطلبات الحياة انتباهك. في هذه النسخة الملتوية والتي تحاول تبسيط الطبيعة المعقدة حقًا للإبداع، يعادل تفويت "يوم واحد" الاستسلام، وهو بوابة الانحدار التي تضعك في صفّ "الجماهير".
هراء!
إليك أكثر ما يحول بيننا والكتابة: العار. ذاك الإحساس المزعج بـ "يجب.. [كذا]" ، "يُفترض بك [كذا]"،" و "فقط لو كان لدي [كذا] إلخ من جلد الذات والشلل الناتج عنه، العار هو ما يحدث عندما يُقنعك العالم بأسره بأن عليك أن تكتب كل يوم وتعجز أنت عن ذلك..
لكل كاتب إيقاع.
يبدو الأمر بديهيًا، لكن لا بدّ أن نذكّر به: لا يوجد طريق إجباري للكتابة. فعثورنا على طريقنا الخاص عبر الطبيعة المعقدة للحرفة والتجربة والإصدارات المختلفة للنجاح هو رحلة شديدة الخصوصية (ومؤلمة في كثير من الأحيان). هو مثال حقيقي على (الاحتراق كشمعة لإنارة درب الآخرين). بمقدور مدربيّ الكتابة وزملائك توجيهك نحو إمكانيات جديدة، وتحديّك وتوسيع خيالك، ولكن لا أحد يستطيع إخبارك بكيفية إنجاح طريقتك في الكتابة. أكتب منذ عام 2009 وما زلت اكتشف أسلوبي الكتابي حتى الآن، وربما سأبقى لبقية حياتي. إنها مغامرة متنامية، طبيعية، محبطة، ملهمة، فوضوية ، وكلها مِلكي.
قبل عامين، بينما كنت أنهي روايتيّ Half-Resurrection Blues و Shadowshaper، كنت أيضًا أدرس للدراسات العليا، وأعمل بدوام كامل على سيارة إسعاف للطوارئ، وأدّرس مجموعة فتيات مراهقات. وهذه الأشياء التي ذكرتها فحسب. كنت أيضًا صديقًا، وابنًا، وأخًا غير شقيق، ومعلمًا، وأعيش، وأتنفس، وأحب، وأتشافى. ولا يمكنني التخلي عن أي منها، فقط لأنني تحملت مسؤولية الكتابة!
يمكنك أن تتيقّن من أنني لم أكن أكتب كل يوم.
وما أنجزت كل ذلك إلا لأنني وجدت تدفقي "Flow" ووثقت به. عندما بدأت كتابة Half-Resurrection Blues ولم أكن أفعل أشياء أخرى كثيرة، كنت أكتب على نقالة في مؤخرة السيارة، بين مرضى النوبات القلبية وضحايا أعيرة نارية "حرفيًا". تغيرت حياتي فتغير تدفقي معها.
نحن كتاب لأننا نكتب
في أيام إجازتي، كنت أستيقظ مبكرًا كما كنت أفعل حين توجبّ عليّ أن أتواجد على مدار الساعة. ألتصق بالكرسي في التاسعة أو العاشرة وأحاول ألّا يأتي وقت الغداء قبل أن أُنهي أول ألف كلمة. في بعض الأيام، لا أحقق ذاك الرقم. وفي أيام أخرى، أنتهي من وضع ألفيّ كلمة على الورق بحلول الساعة 11 صباحًا.
وأحيانًا، أعجز عن كتابة كلمة واحدة. أتعلم لمَ؟ لأنني أكون منغمسًا في مشاغل الحياة. أو لأن القصة التي أعمل عليها ليست جاهزة -ببساطة-.
كما قال الكاتب ناستاسيان براندون "Nastassian Brandon":
"إذا كنت تكتب من أجل الكتابة، ولا تُنصت لعقلك وجسدك حين يطالبانك بقسط من الراحة، بحيث تبتعد قليلًا ثم تعود بعيون جديدة، فأنت تسيء إلى نفسك".
لقد أمضيت ساعات من القلق والممل أمام الصفحة الفارغة، لا أفعل شيئًا سوى الغضب من نفسي. أخيرًا، اكتشفت أن العصف الذهني جزء من الكتابة أيضًا، ولا يُثمر إن كان العقل والجسم مقيدين. لذلك أخرج للتنزّه، وأثناء المشي، تتدفق القصة، وتتوقف الأفكار عن التقلص في زوايا عقلي، والتنحيّ بسبب (خزي عدم الكتابة).
عند إنهائي دراسة الماجستير في الفنون الجميلة، أخبرنا المحاضر أننا أصبحنا كُتًابًا الآن واكتفيت أنا بهزّ رأسي؛ لقد كنا كتابًا قبل أن تطأ أقدامنا تلك القاعات المقدسة أصلًا. نحن كتاب لأننا نكتب. لا درجة الماجستير، ولا عقد كتاب، ولا دعاية مغالى فيها قد يغير ذلك.

لذا، إذا كانت الكتابة كل يوم هي الطريقة التي تحافظ بها على إيقاعك، فحافظ على تلك العادة بكل ما أوتيت من قوة. وإن لم يكن الأمر كذلك، فأرجوك، لا تقع فريسة لأسطوانة "عليك.." و "فقط .. لو". فلا شيء يعيق الكاتب أكثر من هذا. تصف
أناييز نين "Anaïs Nin" العار بوصفه "الكذبة التي أخبرك بها شخص ما عن نفسك". لا تدع كذبة تُفسد تدفقك.
أناييز نين "Anaïs Nin" العار بوصفه "الكذبة التي أخبرك بها شخص ما عن نفسك". لا تدع كذبة تُفسد تدفقك.
لقد قرأنا الكثير عن طقوس الكتاب المختلفين، ولكن ماذا عن تلك اللحظات الحاسمة قبل أن يعانق القلم الورقة؟ بالنسبة لي، تبدأ الكتابة دائمًا بالصفح عن الذات. أنا لا أجلس بتهوّر إلى الصفحة الفارغة، بل أصنع فنجان قهوة، ثم أضع أغنية تعجبني. أشرب القهوة أثناء استماعي للأغنية.
يُحدث البدء بالتسامح مع الذات ثورة في عملية الكتابة، ويعيدها إلى رحلة إبداعية بدلاً من جعلها (ممارسة جلد الذات). أسامح نفسي لأنني لم أجلس لأكتب عاجلاً ، لأخذ استراحة البارحة، أسامح نفسي لأنني أعيش حياتي. هل هذا مدعاة للإحساس بالخزي؟ إذًا، تحرر منه كما أفعل، وحينها سينتشر إحساس جديد بالخفة، يتيح مجالًا للقصة والفكرة والحياة.
نحن نقدر تعاونك
من فضلك اختر نوع التجاوز
شاهد ايضا
اكتب تعليق