أدب السير الذاتية واليوميات عند الأطباء الأدباء د.ماجد رمضان
احتفت كثير من مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج التوك شو بمسلسل (بالطو ) وطاقم التمثيل والذي تم عرضه على منصة «ووتش ات» WatchIt ،والمسلسل مقتبس من رواية بالطو وفانلة وتاب للكاتب الطبيب أحمد عاطف فياض الذي يروي مذكرات يومية ومواقف واقعية للطبيب عاطف حديث التخرج من كلية الطب الذي ذهب ليستلم قرار تكليفه، ثم يفاجأ بأن مكان تكليفه يقع في وحدة صحية بقرية (طرشوخ الليف).
ومن خلال المفارقات الكوميدية النابعة من التناقضات بين الريف والمدينة والنقد الاجتماعي المبطن لوضع المنظومة الصحية في مصر،و مواجهة التعقيدات البيروقراطية تنبع الكوميديا أو ماتسمى (كوميديا الموقف) .
والكاتب الطبيب أحمد عاطف ليس أول طبيب يسجل مذكراته أو يومياته كطبيب ولكن سبقه كثير من الأطباء الأدباء .
ولا عجب في ذلك .
فالطبيب إنسان يعيش ضمن مجتمعه، يرصد انفعالاته وتغيراته وتناقضاته،وهو يرى ويعايش الإنسان وهوفي أضعف حالاته، والطبيب الأديب كان أديبا قبل أن يكون طبيبا، فهو أجدر على ان يخرج مارصده أدبا وشعرا ورواية.
وفي هذه السلسلة سنتعرف على ماكتبه وسطره أدباء الأطباء من سير ذاتية أو مذكرات ويوميات عن حياتهم أو عملهم الطبي فقط وليس أعمالهم الأدبية الأخري كالرواية والقصة والشعر أو القصيدة.
( ١)
مذكرات طبيب شاب لميخائيل بولغاكوف
وميخائيل بولغاكوف الروائي والمسرحي والطبيب الذي أرسل فور تخرجه في الكلية فى عام 1917 إلى مستشفى ناءٍ بعيدٍ وبدائي وكان الطبيب الوحيد فيه مع مساعد واحد وقابلتين؛ ليخوض تجاربه العديدة مع مرضاه التي كان بطلها قلة خبرته وظروفها و حالات المرضى وهم على مشارف الموت.
والكتاب يجمع بين أدب السيرة، وبين الرواية بطريقة سرد المذكرات،التي حكى فيها قصصًا مما واجهه في المستشفى الصغير، مستلهمة من الطرائف والمغامرات التي مر بها، من التوليد للعمليات الجراحية، لإنقاذ أشخاصٍ من موت مُحقق، مُظهرًا الجوانب الإنسانية لمهنة الطب أكثر من الجوانب العلمية، التي لم يتحدث عنها إلا لتوضيح حالات بعض المرضى ليس إلا.
نحن أمام 7 قصص ( الحنجرة المعدنية، ,التعميد بالتحويل، العاصفة الثلجية، العتمة المصرية، الطفح النجومي ،المنشفة ذات الديك, العين المفقودة ) يحكى لنا فيها عن أصعب الحالات، التى مرت به أثناء عمله كطبيب بأسلوب متهكم لا يخلو من السخرية والبساطة..
ففي قصة (الحنجرة الحديدية):
يوضح من خلالها كيفية إدارة الطبيب لموقف يحتاج فيه للتعامل مع المريض و المساعدين والأم المذعورة على ابنتها التي كانت على مشارف الموت اختناقا بالدفتريا والقيام بقرارات تُبقيه في تركيز تام مع المرض و المريض.
وفي قصة (التعميد بالتحويل):
ترى فيها كيف يتعرض الطبيب لحالات صعبة ويجب عليه التعامل معها بصورة مباشرة وحاسمة دون المقدرة على استشارة من هو أعلم منك لكونه غير موجود أصلاً.
وكيف أنه في غياب من هو -أعلم- منك، يوجد من هو -أكثر خبرة- منك مثل القابلات و المساعدين الطبيين و الممرضين وغيرهم، لتقول هذه القصة بوضوح أن العلم ليس بالدرجات الأكاديمية فقط، وأن العمل الطبي هو مجهود جماعي.
وفي قصة (العاصفة الثلجية):
تقرأ من خلالها كيف يمكن أن يُوضع الطبيب في حالات خارج المستشفى يحتاج معها أن يجلب بالإضافة لعلمه وخبرته الطبية، أن يجلب خبرته في الحياة... وفي التعامل مع المواقف الصعبة.
وفي قصة (العتمة المصرية):
تؤكد على أن ثقة الطبيب بالتشخيص لا تعني سهولة العلاج، فالمرضى كذلك يحتاجون لتوصية وتثقيف عن المرض و العلاج و الوقاية، وإلاَّ لن يبقى لثقة الطبيب بتشخصيه أي فآئدة فهي غير فاعلة لوحدها إطلاقاً فهي جزء من العلاج و ليس كُلُّه.
وفي قصة (الطفح النجومي):
تبين أن الصحة أمر معقَّد جداً لا يقتصر على مرض و مريض - طبيب علاج، بل الصحة أمر مرتبط بالثقافة و سلوكيات المجتمع وقناعاته و طريقة التعامل مع الأمراض سوآءاً كان بالإهمال أو بالعلاج التقليدي أو بالسحر وغيرها، و أن الطبيب دوره في ذلك أن يستخدم ما يحمله من علم للمساهمة في الصحة و التقليل من المرض كـ-مُبادر فِاعل- في المجتمع ودافع بعجلة رُقي انسانه.
ففي قصة (المنشفة ذات الديك):
فبعد وصوله بأقل من يوم يُوضع للمرة الأولى في حياته أمام تجربة عملية، اختبار لتحويل معرفة الخمس سنوات لفعل ذو نتيجة. موقف ينتظر منه كل العاملين وأهل المريض أن يتخِّذ فيه قرارا صآئبا، يحِّدد فيه مصير حياة على بعد خطوات من الموت.
وفي قصة (العين المفقودة):
والتي سردها ميخآئيل بعد مرور عام على وجوده في هذا المستشفى، تقرأ فيها كيف أن النظر و العمل-الدراسة و الخبرة- عمليتان متصلتان ببعضهما البعض لا ينفكَّان أبداً. وكيف أنَّ الطبيب مهما وصل لدرجة من الثقة في كليهما -لا- يعني أن تتملكه الثقة العميآء ويصاب بالغرور في قدرته على التعامل مع كل الحالات. بل يعني أن ذلك يجعله طبيباً أفضل ومشوار التعلُّم مستمر باستمرار ممارسته للطب، وكل يوم جديد بما فيه ملئ بالمفاجآت ملئ بالفرص لأن يصبح أفضل مما هو عليه.
و فى النهاية نجد أنفسنا أمام طبيب ماهر، حديث التخرج ويفتقد الثقة بالنفس أحيانا لكنه ماهر ليس فقط الطب لكن أيضا فى الحكى، فأسلوب ميخائيل السلس وروح الدعابة التى امتازت بها كتاباته كانت إحدى مميزات هذا الكتاب، الذى رغم عدم خلوه من المصطلحات الطبية- التى قد تقف عائقا أمام القارئ العادى - نجح فى أن ينال إعجاب القراء على مدار السنوات.
وإلى طبيب أديب آخر ومذكراته ...فانتظرونا
ـــــــــــ
نحن نقدر تعاونك
من فضلك اختر نوع التجاوز
شاهد ايضا
اكتب تعليق