الوحش والفراشة
ولدتُ في جبل من نحاس ، في أرض بعيييدة ، مقفرة جديبة ، لم أعرف غير ذلك الجبل و وحوشه ، عجنتني حرارة الأيام لأصير مثلهم .. وصرت ، ثم ذات يوم شق فؤادي شيء سحري لما رأيت فراشة لأول مرة ، حطت على يديَّ و كاهلي ، كانت مزيجا مدهشا بين الخرافة و الجمال ، سحرني جمالها و رقتها فلم ألتهمها ، حدقت فيها طويلا حتى انتفضَتْ و طارت و اختفت ، و أنا لم أفعل شيئا بقيت مسمرا في مكاني أُحدق إلى جمالها و هي تبتعد ، ثم رجعتْ غدا .. و رجعت بعده ، حتى صرت أنتظرها ، و هي .. صارت تأتي كل يوم ، و أنا .. تعلقت بها ، و لقد صرت أحبها ، ثم في آخر يوم رأيتها فيه نطقت : هل ستبقى هنا مدى الحياة ؟
فانتفضت : أتتكلمين ؟ و إلى أين أذهب ؟
قالت : اتبعني .
فطاوعت قلبي و سرت وراءها حتى حدود الجبل ثم توقفت .
فقالت : تعال لا تخف هناك أرض أحلى وراء هذا الجبل .
فقلت : و لكن لم أعبر الحدود يوما ، أنا أنتمي إلى هنا ، أنا وحش ..
قالت بعدما حطت على يدي : لا .. إن مذاقك مختلف ، فمذاق السكر في دمك ، إنك أطيب من رحيق الأزهار في عالمي ، ثم طارت و غنت : اتبعني لا تخف .
و مذ ذلك اليوم لم تعد ، أما أنا فبقيت مسجونا في لحظتي تلك و مكاني ذاك ، لم أعبر .. و لم أرجع .. و سُجِنَت روحي هناك إلى الأبد .
(( إلى الأبد ))
نحن نقدر تعاونك
من فضلك اختر نوع التجاوز
شاهد ايضا
اكتب تعليق